ومن المعروف بأن حرب إعلامية وكلاميه وسياسية كانت مشتعلة بين الكويت والعراق قبل الغزو بعشرة أيام , وكنت متابع لها
ذهبت مسرعاً وغسلت وجهي وتوجهت الى صالة المنزل الرئيسية , فرأيت العمّات والجدة والجد مجتمعين حول التلفون والراديو ( راديو ناشيونال هذا مثل الموبايل مع جدي معه فى كل مكان ) , وأصوات الإنفجارات مستمرة وبقوة حيث إن بين منطقة الدسمة وقصر دسمان أقل من 2 كيلومتر , والمعارك على أشدها فى هذا المكان تحديدا ( قصر دسمان )
فأصوات الإنفجارات كأنها بالمنزل نفسه , الغريب إن الرجال غير موجودين بالمنزل , الوالد والأعمام , فسألت عمتي عنهم فقالت لي إنهم خرجوا بجولة سريعة الى العاصمة ليستكشفوا ما يحدث حاليا , كما إن هاتف المنزل منذ الساعة الثانية ليلاً لم يتوقف عن الرنين ويطلبون عمك فلان وعمك فلان ( عمي الأول ضابط بالقوة الجوية والآخر مجند بلواء السادس ) فعلمنا إن الأمر طارئ لأن المتصلون كانوا يطالبون الأعمام الحضور الى مراكز عملهم العسكرية وبصفة مستعجلة .
فى الساعة السابعة صباحا قدموا الأعمام ومعهم الوالد , وهم مذهولين مصدومين وكأنهم يحلمون , لم يعبروني حتى بنظره , من هول الكارثة التي حلت بالوطن ..... جلسوا حول جدي ( رحمه الله ) ليرووا له ما شاهدوه , فإنتهزت الفرصة وجلست بالقرب منهم ووضعت حاسة السمع على أقصي درجات الإستقبال لأسمع كل التفاصيل .
من التفاصيل التي سمعتها , وجود نقاط تفتيش (عراقية) عند مبني مجلس الأمة ( كان إسمه فى ذلك الوقت المجلس الوطني ) , وكانوا يوقفون العسكريون الكويتيين وبعد هذه النقطة العراقية هناك نقطة تفتيش للشرطة الكويتية عند إشارة مستشفي الأميري, وضع غريب نقطة عراقية هنا وكويتية هناك .
ثم مبني تلفزيون الكويت وقد قصف فجرا والشرطة الكويتية تقوم بتحويل مسار السيارات بعيدا عن وزارة الإعلام , والأمور مختلطة فى أكثر من مكان بالعاصمة فالشرطة تغلق بعض الشوارع والجيش العراقي يدخل شوارع معينة بدون نشوب قتال بينهم فالأمر ملتبس , ومحيط منطقة قصر دسمان هو الأخطر , فالجيش العراقي يريد كل من فى القصر وتبادل لإطلاق نار بين الحرس الأميري والجيش العراقي وعلى فكرة قصر دسمان خالي منذ ساعات الفجر الأولي .
الساعة الثامنة صباحا قام أحد الأعمام بجولة سريعة لمحطات الراديو لعله يعرف ما الذى يحصل وأين الشيوخ والوزراء فالوضع مجهول ومبهم وفى تمام الثامنة الإذاعة الكويتية مستمره بالأغاني الوطنية فقط بدون أخبار مفيده , والإذاعات الدولية ( صوت أمريكا , وهيئة الإذاعة البريطانية , والسعودية , وطهران وحتى بغداد ) لا يوجد أي خبر عن الكويت , الخبر الأول أذكره تماما كان عن فلسطين و زيارة ياسر عرفات فى أغلب الإذاعات , فعلا كان شعورا غريبا لا أستطيع وصفه , وحتى تلك الأثناء مازالت أصوات القصف مستمرة وبدون توقف .
تصور إن ذلك يحدث وبدون مصدر للأخبار .... لا يوجد ستلايت ولا أنترنت ولا موبايلات فالمصدر الوحيد للأخبار هو الراديو
فى الساعة الثامنة والنصف لبس عمي ملابس القوة الجوية وكان ( للتو قد ترقي إلى نقيب ) وقرر وداعنا للإلتحاق بقاعدة أحمد الجابر , فودعنا فردا فردا , وقام جدي رحمه الله بوضع المصحف الشريف على رأسه ليمر عمي من تحته , وهي عادة يفعلها بعض الناس لمن يريد السفر أو الذهاب للمجهول , ليحفظه الله بحفظه , وأعطته جدتي (الله يحفظها) حرزها ( يامعه ) , لقد كان السلام الأخير فى ظل الإحتلال حيث اسر هو وجميع ضباط القاعدة الجوية فى قاعدة أحمد الجابر ونقلوا الى سجن بعقوبة بالعراق فيما بعد .
فى الساعة التاسعة قرر الجميع الخروج من الدسمة الى منطقة أخري ليومين على الأقل .... لسببين الأول حتى تهدأ المعارك بمنطقة قصر دسمان والسبب الثاني تجنب اي حالة إقتحام للمنزل من قبل الجنود العراقيون أو غيرهم لأسباب خاصة .
كما إن الإعتقاد سائد بيننا , بأن العراق سيحتل النصف الشمالي من الكويت فقط , أو عملية عسكرية مدتها يوم وثم الإنسحاب ولم يكن بالحسبان إنه إحتلال كامل وضم الكويت للعراق .
قبل الخروج من المنزل كنت جالس بشكل متلاصق مع جدي , وكان يتحدث بالهاتف مع موظفينه بالمؤسسة التجارية الخاصه به ويأمرهم بإغلاق الشركة والمحلات والعوده الى مساكنهم ثم إتصل على المحاسبين وأمرهم بإغلاق المخزن بالشويخ ..... الموظفين كانوا من جنسيات مختلفه ( مشكل ) ولكن أحدهم من الجنسية العراقية يقول لجدي وهو يعرض المساعدة ( تريد أجيلك البيت هسه وأساعدك ) فرد عليه ( لا مشكور خيرك واصل مبجر من الصبح ) وفهمت شنو يقصد جدي , وقالها بطريقه ساخره .
فى الطريق سلكنا خط الفحيحيل السريع , بإتجاه صباح السالم منزل أحد الأقارب , وأنا بالسيارة على يميني منطقة الدعية وعلى يساري منطقة السفارات رأيت السفارة العراقية وهي تعج بالناس لاأدري من هم ومن أين أتوا ولكنهم بالمئات , وقبل جسر الشعب رأيت دورية شرطة كويتية مسرعة وقد أغلقت الشارع بإتجاه العاصمة وأجبرت السيارات على سلك طريق الدائري الثالث , وكانوا الشرطة يحملون رشاشات ويصرخون بأعلى أصواتهم .
أيضا بالطريق من الدسمة الى صباح السالم على خط الفحيحيل شاهدت العديد من الحرائق الصغيرة فى سلوى وبيان والمسيله وحولي قرب نادي القادسية .
وصلنا المكان المؤقت (منزل أحد الأقرباء ) فى صباح السالم , وفى الساعة العاشرة أيضا أخذنا جولة على محطات الراديو جميعا لا يوجد أي خبر عن الكويت , تلفزيون الكويت كان يعرض الأغاني الوطنية والإذاعة الكويتية نداءات إستغاثه وأغاني
فى الساعة العاشرة وعشر دقائق تقريبا , سمعنا أصوات طائرات (هليكوبتر) كثيرة محدثة ضجيج عالي , فركضت مسرعا الى السطح لأرى ما يجري بالسماء , فرأيت 15 طائرة هيلوكبتر وهي تطير على شكل مجموعة واحدة ولأول مرة بحياتي أري قصفا حقيقيا من الجو الى الأرض , لقد كانت هذه الطائرات تقصف هدفا بالقرب من فندق شاطئ المسيلة والهدف الثاني كان بعد المسيلة بخمسة كيلو تقريبا , لاأدري ماهي هذه الأهداف ثم جري إنزال بالمظليين فى نفس المنطقة وتبعه نزول الطائرات فى شاطئ مابعد المسيلة بقليل , والمشهد مدته 10 دقائق لا أكثر , وعلى الرغم من إني مصور بارع ومنذ صغري عشقت هذه الهواية والكامرة لا تفارقني إلا نادرا , إلا أن الحالة لاتسع لشخص أن تكون كامرته الفوتوغرافية معه , فأغلب أشيائي الخاصة موجودة بالدسمة .
خريطة الكويت وعليها خطوط القوات العراقية فى حالة الهجوم بيوم 2/8
فى الساعة 12 ظهرا إتصال عمي الأول والأخير من القاعدة العسكرية ( قاعدة أحمد الجابر الجوية ) يخبرنا بأن الأوضاع سيئة والكويت فى إحتلال كلي من قبل العراق عمي الآخر لا نعلم عنه شيئا فلقد إنقطعت أخباره منذ الصباح ومكان عمله بلواء الجهراء .
صلاة الظهر صلينا بالمنزل يتقدمنا جدي رحمه الله , ومازالت الأخبار بالإذاعات لاتذكر إسم الكويت والإذاعة الكويتية تغيرت الأغاني من الوطنية الى عسكرية مع صوت المذيع يوسف مصطفي وآخرون يقولون شعارات وطنية وحماسية من بينهم اللواء فهد الفهد وكان وقتها رئيس جهاز أمن الدولة , والشيخ سالم صباح السالم رحمه الله .
فى الساعة الواحدة ظهرا , أول خبر عن الكويت بال bbc الخبر يفيد بتعرض الحدود الشمالية الكويتية الى إجتياح عسكري كبير
بعدها طلب منى عمي الصعود معه الى السطح لتعديل زاوية الأريال حيث إن البوستر أو الجهاز اللي يدور الإريالات لا يعمل , فيحتاج الى تحريك يدوي , صعدنا وكم كان الوضع مهلكا حيث الحرارة لا تقل عن 48 فى شهر أغسطس وقت الظهيرة ..... وجهنا الأريل الأول الى السعودية والخليج والثاني الى بغداد والثالث الى إيران , ونزلنا من السطح بعد أن صرنا ( ميد مشوي ) .
الأخبار من تلفزيون العراق تفيد وبإختصار بأن إنقلابا حدث بالكويت ضد آل الصباح , والجيش العراقي لبي نداء المساعدة والطلب من الكويت لتخليص الشعب الكويتي من هذا الحكم الجائر (( :
لم يخلوا هذا الخبر من سخرية الجميع
فى الساعة الثانية
الخبر كان من رادوا طهران وبعض الإذاعات
بدأ العالم يستوعب ما حدث وبدأت الأخبار تتوالي بأن الكويت تعرضت الى إعتداء وإجتياح عسكري , الشكوك والأخبار والتحليلات كانت كثيرة منها تقول أن العراق قام بعملية عسكرية مؤقتة , ومن يقول إنقلاب داخلي ومحطة أخري تقول أن غدا سينسحب الجيش العراقي , ونحن لا نعرف ما الذي يحدث فعلا , وكانت أدق إذاعة هي طهران حيث أعلنت الغزو بصراحه وأعداد الجنود والدبابات .
فترة هدوء الظهيرة والغالبية يأخذ قيلولته وبالمناسبة فإن لدي 7 أعمام و3 عمات , بالإضافة الى أقرباء آخرون و الأطفال والنسايب , الوضع زحمة ولا يطاق فى منزل واحد ..... رأيت جدي رحمه الله جالس ( بالحوش ) مطأطأ رأسه للأسفل .... لوحده يقلب بموجات الراديو وهو يبحث عن خبر جديد , فاستغليت الفرصة وجلست بقربة وقلت له ........ هل تتوقع ياجدي بأن الجيش العراقي سوف ينسحب الليلة , فلم يعيرني إهتمام وقال لي (الله يسمع منك ), أنا أعلم إن باله مشغول على عمي فلان وعمي فلان , يخشي من قتلهم أو وقوعهم أسرى والوضع بشكل عام لايسر ....... ثم قال لي وبالحرف الواحد وبالعامية ( الله يرحمك يا سيد صدقت لما قلت لهم بأنه جلب ويعضكم وهذا اللي صار عضهم الجلب ) , وفهمت ما يعنيه جدي على الفور , ثم قال لي ( شوف هذي سنن إلاهيه .... من أعان ظالما سلطه الله عليه من حفر حفرة لأخيه وقع بها )
فى الساعة الثالثة ظهرا خبر مفرح فى يوم حزين , وهو خروج السجناء من السجن المركزي فقد كسروا أبواب السجن وهربوا للحرية , نعم هو خبر مفرح , لقد كان عدد السجناء السياسيين الكويتيين ما يقارب 150 شخصا أغلبهم سجناء رأي , ومدانون بقضايا من قبل أمن الدولة , والأحكام متفاوتة مابين 5 و7 و10 سنوات , لي منهم أقرباء ومن الدرجة الأولي , لقد سجنوا بسبب قضايا سياسية تتعلق بدعم الكويت للعراق فى حربه مع إيران , واعتقل بعضا منهم فى 86 و88 و 89 وكانت لي زيارات لهم فى السجن المركزي وبرفقة أقربائي
(2 )
وتتوالي الصدمات فى الساعة الثالثة والنصف صدمة جديدة من التلفزيون السعودي ومن هيئة الإذاعة البريطانية وبصوت المذيع ماجد سرحان إستشهاد الشيخ فهد الأحمد و الأمير الشيخ جابر بخير وهو بالسعودية ومجلس الأمن سيعقد جلسة طارئة غدا والجامعة العربية بإجتماع طارئ ولبنان يستنكر غزو الكويت , لقد كان هذا الخبر مريحا جدا فبدون الحاكم والشرعية السياسية لا تستطيع أن تثبت حقك على الاقل وجود الأمير وهو بخير أعطي حالة من الإطمئنان والإرتياح العام لدي الجميع .
فى الساعة الخامسة والنصف عصرا كان اللقاء مع أحد الذين خرجوا من السجن فى مكان ما , سبق أن زرته بالسجن المركزي مرتين وبرفقة إحدى قريباتي في 88 وعام 89 , قلت له ( الحمد لله على سلامتك ما بغيت تطلع ) فقال( لو كنا قد تأخرنا بعد أقل من ساعة واحده فقط , لوصل الجيش العراقي منطقة السجن وأعتقلنا جميعا )
وبالمناسبة جميع السجناء السياسيين الكويتيين حظوا بعفو عام وتم رد إعتبارهم من قبل الامير الراحل بعد التحرير وحتى المحكومين بالإعدام منهم والحمد لله .
نصحناه ( ولدنا السجين الهارب ) بالخروج من الكويت لأن العراقيون سيبحثون عنهم فى كل مكان ولأنهم مطلوبين للحكومة العراقية لأسباب أخرى (3)
فى طريق العودة الى المنزل الشوارع فاضية بما فيها الطرق السريعة , الأدخنة و النيران فى أغلب المناطق , آليات الجيش العراقية تتحرك بالشوارع عكس السير بل حتى تدوس على المزروعات فى جوانب الطرق والإشارات , تجمعات من العمال ( الهنود المصريين والإيرانيين ) فى بعض الطرق .
فى الساعة السابعة صلينا المغرب , ثم قال لي أحد الأعمام ألم تلاحظ أننا لم نتناول أي شئ من طعام ومع هذا لانشعر بالجوع , قلت له أكيد بسبب ما يحدث فقد تنسى حتى الطعام .
وأنصدمت عندما رأيت والدي ( الله يحفظه ويشافيه ) يطلب السجائر من عمي , فوالدي لايدخن , ولكنه من يوم الغزو بدأ بالتدخين ( بكس أبيض مارلبورو ) (( :
فى الساعة الثامنة دخل علينا نسيبنا وهو حاليا رائد بالداخلية ويخبرنا بطريقة توزيع الاسلحة على أن يكون غدا صباحا وعن طريق إدارات معينة (4)
وفي هذه الأثناء مؤتمر صحفي للدكتور عبدالرحمن العوضي مباشرة على إذاعة bbc وكان وقته وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء , يشرح الوضع والجامعة العربية ومجلس الأمن وحالة الأسرة الحاكمة الأمير وولى العهد ومجلس التعاون الخليجي , وطلب الكويت من درع الجزيرة الإسناد وغيرها من الأمور .
فى الساعة التاسعة ليلا كان صوتا مدويا ( منذ ساعة ) مصدره الخط السريع ( خط الملك فهد ) صوت طنين عالي وكأن مليون نحلة فى مكان واحد , دبرت لي خطة محكمة للهروب من المنزل حيث إن الوالد طبق علي ( حصارًا ارهابياً ظالم ) داخل المنزل بحيث يمنع خروجي , ولكنني تمكنت من ذلك وبمساعدة أحد قريباتي .
وهربنا من بين الأزقة ( الفرجان ) الى شبك الخط السريع ( بإتجاه مصدر الصوت ) وبالتحديد منطقة صباح السالم مقابل المستشفى العسكري حاليا وكنا بين أنابيب المناهيل الكبيرة خلف السياج الأخضر للخط السريع مختبئين لنرى مصدر هذا الصوت العالي
وقد صدمنا عندما رأينا مئات الدبابات تسير بخطوط متتابعة منتظمة وبالحارات الثلاثة فى الشارع بإتجاه جنوب الكويت ( الحدود السعودية ) وبدون توقف كأنها بعرض عسكري , هذا الصوت هو صوت زناجير الدبابات وهي تيسر فوق الشارع فتصدر أصوات كالرنة هكذا أمممممممممممممممم ولكن بصوت عالي , هنا تذكرت كامرتي مرة أخري وتنهدت تنهيدة ( قهر) , كانت الدبابات تسير بسرعة .
وأستنتجت مما رأيت بأنه إحتلال طويل , وماتناقلته الإذاعات من إحتلال جزئي أو إنسحاب وشيك لم يكن صحيحا .
رجعت الى المنزل تقريبا العاشرة والنصف وأنا أتقن دور اللص فى تسلق أسوار المنازل ولكن المشكلة إن سور هذا المنزل مليئ بالشوك ( شجرة المجنونة ) هذه شجرة تزرع على أسوار المنازل تعطي مقابل كل وردة 10 أشواك , فضمدت الجروح بيدي ورجلي بسبب هذه الأشجار اللعينة وأخذت الملقط لأخرج الشوك من يدي ورجلي , ولكن ألم الجروح تلاشت عندما علمت بأن الوالد ( طافت عليه ) وتمت المهمة بنجاح وبدون أن يعلم , فكنت قلقا من العقاب الشديد فى حالة علمه بهروبي من المنزل , لقد كان إختبار ناجح لمهاراتي فى ( التلصص )
أخبار الثانية عشر ليلا
التلفزيون السعودي يعرض صورا من معركة دسمان نقلا من cnn
وأنا بعين واحدة من التعب ووالدي يقول لي بالعامية ( روح نام شمقعدك للحين ) فقلت له أريد أن أتعشى لأنني لم آكل طيلة هذا اليوم وللتو بدأت أحس بالجوع , فتركني وذهب وهو غاضب , أخلاق ماكو .... (عادي النفسية تعبانه والحالة كلش )
فى الساعة الواحدة ليلا كنت مستلقي على ظهري فوق المطرح وأنا أري فى سقف الغرفة , وأقول فى نفسي هل ماحدث هذا اليوم هو حلم ؟؟؟ هل حصل أي مكروه لأعمامي ؟؟؟ هل سأقوم غدا من النوم والعراقيون ينسحبون ويعود كل شيئ كما كان ؟؟؟؟ يقول أبن عمي أول مرة أرى شخصا نائما على ظهره وهو يضع رجلا على رجل وكأنه جالس ويديه خلف رأسه , غريبة هذه الوضعية الخرافية ولا أعرف كيف استطعت النوم هكذا حتى الصباح .
لقد كنا أكثر من 13 شخصا من الرجال وهم ينامون بمكان واحد ( بالصالة ) وقد كانت أنغام الشخير بشكل لا يوصف , لو العراقيون مروا من شارعنا لاقتحموا المنزل الذي نحن فيه بسبب أصوات المناورات الشخيرية التي تحدث بالصالة عندنا ( لاتسمع التنغيمات العجيبه , وصراع الجبابره )
كما إن فى السابق لم يكن الحرص على إحكام قفل الأبواب والنوافذ ( الوضع أمان ) لكن إبتداءا من تلك الليلة كانت هناك خفارات للحراسة والتشييك وقفل الأبواب والنوافذ حيث إن الغطاء الأمني مكشوف .
إنتهي اليوم الأول للغزو
======================================
أيام سوداء إنشالله ماتعود علينا , والقصص كثيرة بالغزو وقد تكون مستقبلا مشروع روايات , مثل مجموعة الربع ( المقاومة الناشئة ) عندما إنتشرنا وقمنا بالكتابات على الجدران فى مناطق مشرف وبيان وصباح السالم والدسمة وكدنا فى إحدي المرات أن نعتقل بعد مطاردتنا (5) .......
العمل بالخباز( المخبز الإيراني بالفرع ) ومعاناتنا فى كيفية جعل الخبزه مستديرة وضعيفة ( لاتشوف أشكال الخبز اللي نسوية تقول سمبوسة عوده ) ...... الجمعيات ( جمعية المنصورية ) وعملنا بها كمتطوعين ..... وحرق زبالة الفريج كل يوم بالليل بعد تجميعها بالساحة البعيدة ....... التكبيرات من على أسطح المنازل تمام منتصف الليل .
رأيت بعيني وفي اليوم الثاني مبني أمن الدولة يحترق الساعة الواحده ظهرا , المباحث الجنائية الساعة العاشره صباحا وكانت بسلوي مقابل بيان ( فى طريق العوده من صباح السالم الى الدسمه ) , والذي عرفته هو أن الكويتيين العسكريين أحرقوا تلك الإدارات حتى لايستفيد الغازي منها ومن معلوماتها ووثائقها , أما قصر الشعب رأيته يحترق بعد قصفه من قبل الجمهوري .
بالمقابل ليس كل شيئ يكتب أويقال , حتى فى الرواية التي كتبتها حذفت الكثير منها وإمتنعت عن نشر الكثير , فأكتب ما أستطيع نشرة فقط .
أيضا .... بما أنني أكتب عن الغزو وهو يوم الشهيد الكويتي , تغمد الله شهداء الكويت بواسع رحمته , وعلى الخصوص أتذكر الصديق العزيز الشجاع الشهيد ( حبيب صفر ) فقد قتل على يد فلول الجيش العراق بعد 3 أيام من التحرير وقد دخل الكويت مع قوات التحالف , وبالتحديد يوم 29 فبراير مقابل محطة بنزين بيان , شهيد بعمر 17 سنة , حظيت بصحبته سنوات قبل الغزو , أسميه الشجاع لأنه فعلا كان يتصف بذلك , فكان يأخذ حق أي شخص يتعرض للمظلم أو المهانة .
والشهيدين السعيدان الأخوين أبناء عمة الوالدة إستشهدوا فى شهر 11 بالإحتلال وبطريقه بشعة , حيث تم ضربهم بالساطور على الرأس , الأول عنده بنت وولد والآخر كان مالج , والشهيدة سناء الفودري أخت أحد الأصدقاء , قتلت بمظاهره فى منطقة الجابرية فى الأسبوع الأول من الغزو , ووالد الصديق أحمد الخميس الشهيد راشد الخميس ووالد الصديق آدم عبد العظيم الأربش , وجميع شهداء الكويت .
الحمد لله على نعمة الوطن والدين , الحمد لله كثيرا كثيرا , اللهم آمنا فى أوطاننا ولاتسلط علينا من لا يرحمنا , عندما تأتي ذكري الغزو فى كل عام لابد من تذكر مقولة ( ماتعرف قيمة الشيئ إلا لمن تفقده ) فالوطن عزيز وغالي بل لا أبالغ إذا قلت عنه (عديل الروح ) .
==========================
التوضيحات
(1) التنس الأرضي لعبة راقيه جدا وتحتاج الى لياقه وتركيز عالي , ومازلت بين الحين والآخر ألعبها ولكن ليس بشكل منتظم , أتذكر مدربنا بالنادي هو خالد أشكناني , ومساعدينه التشيكي ملنكو , وكابتن جليل وكابتن حسين الصايغ , والاعبين الأصدقاء فى ذلك الوقت ..... حاليا الكابتن فى الكويتية فؤاد عاشور الدكتور على عاشور الدكتور أسامه الشافعي , عيال خالي 4 والدكتور طلال عاشور وأخوه حسين عاشور , وفراس , والمخرج حاليا بقناة فنون مناف عبدال , والمهندس عمار حاجيه وغيرهم ممن لاأتذكر أسمائهم .
(2) قبل الغزو كانت هناك معارضه شعبيه داخلية ضد الحكومة ومن بعض الفئات , بسبب تأييد الحكومة للعراق بذلك الوقت , كانوا يريدون موقف الحكومه من النزاع الإيراني العراقي على الحياد كما فعلت قطر وعمان والإمارات , فكانت الكويت تساعد حكومة العراق الظالمة , والعراق هو البادي وهو مفتعل الحرب مع إيران وأيضا كان يضهد الشعب العراقي , وهو خطأ إستراتيجي كلف الكويت الكثير , الأمر الذي ولد معارضيين كويتيين لذلك الموقف الغير صائب , فكانت معظم التهم على التجمهر وعليها عقوبة حبس 5 سنوات والمنشورات وعليها عقوبة 3 سنوات , والذي يدان بالتهمتين عليه 8 سنوات , لم يكن برلمان ولاصحافه حره , كان إضطهاد سياسي بمعني الكلمه , حبس وقضايا أمن دولة , لمجرد التعبير عن الرفض , ولاتستغرب إذا قلت لك بأن ماكان يقال ويكتب وقتها هو أقل بكثير مما يكتب بالصحافة حاليا ويقال الآن وفي ساحة الإرادة وغيرها , فالظروف تتغير من عقد لآخر , ولله الحمد جميع السجناء السياسيين الكويتيين تم العفو عنهم بعد التحرير وبأمر من الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله , وعادوا الى أعمالهم ووظائفهم وهم الآن بين أهليهم
قاوموا الغزو قبل حدوثه وعبروا عن رفضهم للحكومه بسبب مساعدة النظام البائد , وقالوا كلمة حق فى الوقت الذي كانت الغالبية العظمي من الشعب الكويتي تأيده وتسانده وتسميه ( سيف العرب ) , كما إن هناك مجاميع معروفه خرجت من السجن باليوم الأول وشكلت خلايا مقاومة عسكرية إعتبارا من اليوم الثاني للغزو .
(3) كان بالسجن الكثير من المطلوبين للعراق بحزب الدعوه وغيرهم , لاذو بالفرار من الكويت بأيام الغزو عن طريق هويات مزوره الى إيران , حتى إلياس صعب ( متهم بتفجير السفارة الأمريكية) ومازال حيا .
إحدي مقلات عدي صدام حسين الذي كان يكتبها فى صحيفته بابل , كتب فى مقاله بأن هؤلاء الكويتيين الذين يعارضون حكومتهم فى مساعدتنا بالحرب ضد إيران خونه ولايقدرون العراق , فالعراق يدافع عنهم ( يقصد يدافع عن الكويت ) ولو أظفر بهم سأجعلهم عبره لمن لايعتبر , وله مقالة أخري بنفس الجريدة يطالب الحكومة الكويتية بسحب جناسي 3 أعضاء بالبرلمان بسبب تصويتهم بمعارضة منح القرض العراقي وكان ذلك بمجلس 1981 , بحثت طويلا عن هاتين المقالتين بالنت ولم أجدهم , صدف رايتهم معلقتين فى أحد المناسبات السياسية قبل سنوات عند أحد أعضاء مجلس الأمة .
(4) حسب ما سمعت بأن بعض المخافر والإدارات قامت بتوزيع الأسلحه وبطريقة إرتجاليه وبدون أوامر , وكانت بسرية كبيرة لدواعي أمنية , مخفر بيان , جوازات السالمية , الإدارات الواقعة بمنطقة الضجيج .
(5) كان ذلك بالضبط عند سور ثانوية فارعة بنت أبي الصلت للبنات مقابل البنزين فى منطقة صباح السالم يوم 8/8 / 1990 الساعة 3 ونص الظهر عندما كشف أمرنا من قبل سيارة جيب عراقية وتوجهت إلينا ونحن نكتب كتابات ( الموت لصدام وتحيا الكويت ) هذي عليها إعدام موغشمره (كما حدث للشهيد على بن نخي ) , هربنا بين المنازل فى قطعة 4 , وكان إختبار لياقه حقيقي لنا , يمكن كنت أسرع عداء بالعالم فى ذلك اليوم , والحمد لله الحمد لله نجانا الله منهم , بعدها تم وضع نقطة تفتيش 3 أيام فى ذلك المكان ومسحوا االعبارات التى كتبناها على سور المدرسة , كلما أمر من تلك المدرسة أتذكر هذه الحادثة بإبتسامه عريضة ممزوجه بالفخر والكبرياء .
تم بحمد الله